zankalooni
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات زنكلوني الأدبية ...شعر ..قصص قصيرة...روايات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 قصص متنوعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سموحة

سموحة


المساهمات : 28
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

قصص متنوعة Empty
مُساهمةموضوع: قصص متنوعة   قصص متنوعة I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 10, 2011 7:55 am

يوميات مــن حياة ناقـد أدبــــــي

يمد يده إلى جســد الكتاب كما يمد يده إلى جسد غنيمة ، يقلبه بين يديه ، يمرر صفحاته بين أصابعه ، يقرأ سطرا ، سطرين ، ثلاثة سطور . وينظر في وجه صاحب المكتبة ، يتقدم إليه والكتاب بيده ككنز ثمين ، يسأله عن السعر ، يجيبه صاحب المكتبة ، يشعر بشيء من إحباط ، يشكره ويعيد الكتاب إلى موضعه وقد علت حنجرته غصة ، لكنه يواسي نفسه بأن بداية الشهر ليست بعيدة وعندها سوف يقبض راتبه وأول شيء يفعله هو أن يتجه على الفور إلى هذه المكتبة لاقتناء الكتاب . في بداية الشهر يتناول راتبه وذهنه شارد في الكتاب ، يهرول نحو المكتبة ويمد يده إلى الكتاب ، يتقدم من صاحب المكتبة وينقده القيمة . للتو يشعر بفرح غامر ، لقد أصبح الكتاب ملكا شخصيا له ، يمكن أن يضمه إلى مكتبته العامرة التي بناها كتابا كتابا ، شهرا شهرا ، المكتبة التي طالما أنقذته من أمواج اليأس التي كانت تجتاحه خلال كل سنوات العزلة والوحدة ، كان يلجأ وهو في ذروة اليأس إلى صيدلية مكتبته فيمضي ساعات حتى ينسى نفسه ويخف عنه اليأس ، وكم من مرة أنقذته المكتبة من الانتحار ، من الشعور العميق بالعدم ، كانت دوما تخفف عنه آلام الروح وتقدم له العزاء , وتقدم له المسرة إلى درجة أنه أحيانا كان يرقص طربا وهو يقرأ ويستمع الموسيقى في هذه المكتبة المغلقة .

هاهو يخرج من مكتبة المدينة والعالم لايتسع حبوره بهذا الظفر الثمين ، وقبل أن يصل البيت يعرج إلى مطعم فيأخذ طعاما شهيا ، ثم يأخذ شرابا لذيذا حتى يحتفي بهذا الكنز الثمين الذي استطاع أن يحصل عليه . في الطريق إلى البيت وهو في سيارة الأجرة يضع كل مابيديه جانبا ولايفوته أن يتأمل مرة أخرى ظاهر هذا الكتاب ، يتأمل عملية إخراجه ، ينظر في اللوحة واسم راسمها ، ينظر في عدد الصفحات ، ثم يلقي نظرات شوق فائضة إلى أجساد الكلمات فتتحول أمام ناظريه إلى حياة كاملة ، وعندها يرى بلبلا يحط على شجرة خريف وهو ينظر في حرف / أ / ثم يرى هذا عصفورين ميتين جوار حفرة وهو ينظر في حرف / ص ٍ / وتتحول الكلمات إلى مناظر والسطور إلى دروب والجمل إلى بحار وأودية وجبال . يعود إلى حيث يجلس عندما يشير إليه السائق بأنه وصل البيت ، يناوله الأجر ويدخل البيت ، يتناول طعامه وشرابه ويأخذ قسطا من الراحة فتتهيأ كل ذرة فيه نحو تلقي صفحات أولية بمتعة بالغة . إنه يحافظ على حميمية العلاقة بين ذراته وذرات النص ، بين حواسه وحواس النص ، يتناول صفحات معدودة وينصرف إلى شأن آخر ، في اليوم التالي يأتي إلى صفحات أخرى ، يغير أو قات تلقي النص، في الصباح الباكر قبل ذهابه العمل بساعة ، في وقت قيلولة الظهيرة ، قبل النوم ، في وقت النوم والسهر حتى الشفق ، وينام معه الكتاب في الفراش ، يستيقظ معه صباحا ، يتحول إلى الزوجة تارة ، يتحول إلى الأولاد تارة أخرى ، إلى موائد سهر عامرة بالأصدقاء ، إلى مستقبل . تشرق عليه شمس النص ، ويهبط عليه ظلامه وهو يشعر بلذة روحية بالغة وهو يتناول الحروف والنقاط وعلامات الترقيم والإشارات والسطور والجمل ، تشرق روحه أمام إشراق النص البهي ويتذكر تلك النصوص التي لم يستطع الوصول إلى صفحاتها العشر الأولى بسبب فقدانها لأي نكهة أو لذة تشجعه للاستمرار، خوائها من أي ومضة إشراق ، أو لحظة حياة ، من عصفور أو حمامة أو جدول أو سمكة . وعندها يكيل عباراته الخاصة التي حفظها لكاتب هذا النص ويقسم ألا ّ يقرب من اسمه حتى لو رآه في صحيفة عابرة .



هاهو النص الثري الذي يضيء ويظلم العالم ، الذي يزلزل الحواس ، ينعش الروح ، ويُجري الدموع من العينين ، النص الذي يجعله يقهقه بأعلى صوته ، يصمت بأعلى صمته ، يخشع بأعلى خشوعه ، هاهو النص البهي الذي يبدل أحول النفس كما يبدل الزمن فصول السنة .

إنه فنان يعرف كيف يقود الكلمات إلى الأراضي الخصبة والينابيع العذبة الرقراقة كما يفعل الراعي الماهر ، يعرف كيف يمد يديه إلى ثدي الكلمات ليستخرج حليبها ولبنها وزبدتها وقشدتها ويقدمها في أطباق شهية . ياله من فنان ماهر هذا الذي أبدع هذا النص المذهل ، لابد للمرء أن يقتني أي شيء يراه لهذا الكاتب حتى لوكان في صحيفة عابرة .

ينتهي من القراءة الأولى ، ثم يختلي بنفسه يتأمل في كل مابثه إليه النص ، ويعود إليه كرة أخرى . يفرغ من السطوع الثاني الذي يكتشف في محرابه مالم يكتشف في السطوع الأول ، ويخرج من محراب الكلمات ، ينتظر حينا . ثم ينظر في أمر إعطاء هذا النص الثري حقه من النقد . يرتدي ثياب العوم في منتصف الليل ويقذف بجسده في مياه النص ويغوص في أعماق مياهه العذبة ، ثم يخرج ويعكر المياه , ويغوص فيها وهي عكرة ، ثم يخرج ويغوص فيها وهي راكدة ، ثم يخرج فيغوص فيها وهي صاخبة هائجة .

إنه مع كل سباحة وغوص في لون وشكل يستخرج ما لم يستخرجه من قبل ، ويأتي بصيده الثمين بعد كل هذه المراحل ، يشعر من جديد بأنه انفتح على النص مرة أخرى وانفتح النص عليه مرة أخرى . ينظر في قلمه وفي الصفحة البيضاء ويباشر في عمله .


Copyright ©2010 - 2011 zankalooni.hooxs.com
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات زنكلوني®

ا

القطة التـي أكلــت صاحبها



كم قلت له أن نعود ، كم ألححت عليه ، بيد أنه أصر على أن نكمل رحلتنا وألا ندع لقطة أن تفسدها علينا . قطة البيت التي نسي أن يُخرجها من غرفة النوم قبل أن يغلق الباب لننطلق في رحلتنا التي خصصنا لها عشرة أيام خارج البلاد .

كانت الساعة قد بلغت العاشرة ليلا عندما تذكّر أمر القطة ، وكان ثمة متسع من الوقت لنعود ونفك أسرها . قال بغتة والباص ينطلق بنا بسرعة فائقة من هذه المدينة النائية نحو العاصمة التي سننطلق من مطارها إلى خارج البلاد : أتعرف بأنني نسيت أن أ ُخرج قطة البيت من غرفة النوم ، أجل نسيت ، الآن تذكرت بأنها دخلت غرفة النوم عندما كنت أعد ثيابي في الحقيبة ، لمحت القطة تلحقني وتموء وكأنها علمت بسفري لتذكرني بأن علي أن أخرجها من البيت قبل أن أخرج وأغلق الأبواب عليها . قلت في نفسي وأنا أعد الثياب : أجل ، أجل سوف أضعها في بيت الجيران ريثما أعود ، لو لم ترني نفسها الآن لكنت نسيتها في البيت ، حسنا فـَعلـَتْ . ولكن هذا الذي حدث ، لقد نسيتها وخرجت مسرعا عندما طرقت أنت الباب ، لقد أقفلت حتى غرفة النوم التي لحقتني إليها . ليتها بقيت في المطبخ لأنها هناك كانت ستجد بعض الماء والطعام ، أجل هناك رز ، وبرغل ، ومعكرونة ، وبصل يابس ، وثوم ، وتوابل ، وبعض المياه المتبقية في الأحواض وأرضية الحمام يمكن لها أن تستخدم ذلك إذا ساءت بها الأحوال .

قلت : بدل أن تقول لي كل هذا يا راجح يمكن لنا أن نوقف الباص الآن وننتظر على الطريق أي باص عائد ، فيعيدنا إلى البيت ، نطلق سراح تلك المسكينة وننطلق من جديد في رحلتنا .. هه ما رأيك .

قال : يارجل ماذا تقول ، لقد حجزنا في الطائرة ورتبنا أمورنا على الموعد ، لم أصدق بأننا ابتعدنا قليلا عن المدينة التي أشعر بحاجة نفسية للابتعاد عنها لبضعة أيام ، ألا تدري أن فكرتك هذه ربما تستغرق يوما كاملا يمكن أن يؤخرنا عن موعد إقلاع الطائرة التي حجزنا فيها ، هذا إذا حُظينا بباص يقف في هذا الليل ليعيدنا إلى الكراج ، مضت ساعة واحدة على انطلاقنا وأمامنا نحو سبع ساعات حتى نصل العاصمة ، لاتنس بأننا حجزنا في هذا الباص منذ يومين ، وهل تظن بأننا سنرى باصا جاهزا إذا عدنا .

قلت : ما يهمني قبل هذا كله ياراجح هو أن ننقذ حياة تلك المسكينةالتي سوف تموت ببطء ونحن نفرح ونمرح في رحلتنا ، سوف تدفع ضريبة رفاهيتنا وانطلاقنا بالجوع والعطش والحبس .

قال راجح وهو يربت على كتفي بلطف : انس ياصديقي انس ، كم من أمور ليس لها دواء غير أن ننساها .

عشرة أيام ، أجل عشرة أيام سنمضيها في نزهات وسباحة ومتاع وأجواء جديدة في هذا الصيف بالغ الحرارة . منذ شهرين اتفقنا على هذه الرحلة الثنائية عندما شعرنا بضجر روتين الحياة والعمل وقلنا بأننا نحتاج إلى بعض التغيير ، وبالنسبة لي فأعتبر ذلك نوعا من العلاج لأنني في الأيام الماضية تعرضت لألم حاد في المعدة والأمعاء ونصحني الطبيب بأن أسافر بضعة أيام لأن علاقة المعدة هي علاقة مباشرة مع المزاج العام والحالة النفسية ، والراحة النفسية وهدوء الأعصاب يلعبان دورا أكثر فاعلية من أي دواء ، وقال بأنني لاأحتاج حتى إلى حمية إذا قررت السفر . وصدقت كلامه الذي بدا واثقا منه وترك في نفسي أثرا به ، وعلى إثر ذلك رتبت أموري ولم يخطر ببالي أن أشرك أحدا معي في هذا السفر ، لكن صديقي راجح عندما علم بذلك صدفة قال بأنه هو الآخر يشعر بحاجة للخروج من الروتين اليومي الممل الذي يرزخ تحته منذ ثلاث سنوات دون أن يخرج حتى من المدينة .

حجزنا في الطائرة من خلال مكتب الطيران الموجود في المدينة وأصبح الأمر واقعا . وهاهو الواقع يأخذ مساره ، فقد وصلنا العاصمة التي بدت لي أنني أراها أول مرة ، استرحنا في الفندق حتى موعد إقلاع الطائرة ، ثم اتجهنا إلى المطار لننطلق في رحلتنا . لكن رغم كل هذا الواقع الذي بدأ يبعدنا عن البيت والبلاد معا ما أزال أشعر بحالة من الإثم نحو تلك القطة المسكينة التي لابد أنها ستقضي جوعا وعطشا وربما اختناقا من شدة الحرارة في تلك الحجرة المغلقة ، والأمر الذي بدأ يسبب إزعاجا مباشرا لي ولراجح هو أننا كلما نتناول طعاما شهيا أو شرابا منعشا فإن صورة القطة ترتسم على المائدة وهي تموء وتذرف الدموع ، وكلما تع أنظارنا على قطة في مكان ما أو حتى في التلفاز فإن قططتنا تأتي بكل حضورها وتموء مواء كسيرا ذارفة دموع الألم والاختناق والجوع ، بل أحيانا وهي تلتهم الفراش جوعا ، وتخبط على الباب بكل بقايا الحياة لديها ، وتموء بصوت مرتفع ، تخربش على الحيطان في محاولة لإسماع مَنْ يمكن أن يسمعها ويأتي ليفك عنها الأسر .

مضت الأيام العشرة التي لم نشعر فيها بالانطلاقة الكاملة التي خططنا لها ، لأننا لم نستطع أن نتخلص من شبح القطة التي كانت تعيدنا إلى تلك الأجواء التي ابتعدنا عنها ، القطة التي حجزنا حريتها في تلك الحجرة المغلقة ، وأفسدت علنا حريتنا في هذه الفسحة الشاسعة .



وعدنا في اليوم الأخير ، ربما لالنعود بقدر مانرى ما آلت إليه حال قطتنا ، وعندذاك كانت لدي رغبة غريبة بأن أذهب مع راجح إلى بيته قبل أن أتجه إلى بيتي لأرى القطة رغم أننا وصلنا في الثانية عشرة ليلا .

ولجنا البيت ، وعلى الفور اتجه راجح إلى غرفة النوم مادا إليها المفتاح بسرعة فائقة ، ولا أدري مالذي بالضبط حدث غير صراخا هائلا لايشبه المواء صدر من ذاك الحيوان الذي اندفع بكل قوة وشراسة إلى عنق راجح الذي لم يملك غير أن يسقط من طوله على الأرض ويقاوم بكل ما يملك من وسائل المقاومة ، انتابني الهلع وتجحظت عيناي من هول الصدمة وأنا أرى القطة تفترس عنق ووجه صديقي وهو يقاوم ويصرخ بدون أي جدوى ، والقطة تنهش من لحمه بتوحش لم أره في حيوان قط . صرختُ بأعلى صوتي في الجوار الذين دخلوا مذعورين ليروا ما يحدث دون أن يجسر أحد منا أن يدنو من ذاك المنظر المتوحش الذي يحدث أمامنا . أحد الجوار غاب قليلا وأحضر مسدسا ، بيد أن البعض منعه من إطلاق النار خشية أن يصيب العيار جسد راجح ، وأصبحنا على قناعة أن أي واحد منا لو خطا خطوة واحدة سوف يلقى مصير راجح من تلك القطة التي فقدت كل ذرة من ذرات الألفة وتحولت إلى حيوان متوحش ، ربما إلى أكثر حيوانات العالم توحشا ورعبا وشراسة .

ولم يبق أمامنا سوى أن نقوم بمحاولات بسيطة مثل رشها بالماء الغزير من بعيد ، وقذفها ببعض آثاث البيت ، بيد أن ذلك لم يمنعها من مواصلة الافتراس حتى فقد راجح كل حركة واستسلم لأنيابها ، وعنئذ وقفت القطة بأنيابها المدماة وهي تقف على صدره وتلعق لسانها بشفتيها وترمق وجهه الذي خرج عن إطار الوجه البشري بنظرات غريبة ، ثم ترفع رأسها وتصوب إلينا نظرات لم تشبه نظرات أي قطة أو أي حيوان رأيناه من قبل ، وهذا ما أبقانا في وجل من أمرنا نحوها ، فما الذي ستفعله بعد ذلك ونحن نتوجه إليها بنظراتنا المريبة والحذرة وسط صمت دموي خيم على المكان بعد كل ذاك الضجيج الهائل . لكنها نزلت من صدر الرجل المسجىعلى ظهره دون حراك ، لم تنط كما تفعل القطط ، بل مدّت خطوات هادئة وشديدة البطء بثقة بالغة ففسحنا لها المجال لتخرج ونحن في دهشة من أمرنا . قبل أن تخرج من باب البيت ، وقفت هنيهة التفتت فيها إلى الرجل ، رمقته بنظرة أخرى ثم خرجت ونحن ننظر إليها حتى توارت عن أنظارنا في قلب العتمة .

هرعنا إلى راجح الذي كان قد فقد أي حركة ، وأي نبضة ، حملناه إلى أقرب مشفى رغم معرفتنا بأننا نحمل جثة خرجت منها الحياة ، وهذا ما تأكدنا منه مجددا هناك .

مع بدء طلوع الضوء عدت إلى بيتي ، وعندما أخرجت المفتاح لأمده إلى فتح الباب انتابتني رهبة وأنا أتخيل بأنني ربما - دون علم - قد أغلقت الباب على قطة دخلت البيت خلسة .

اتصلت من عند الجوار بالنجدة التي أتت ، فدخل رجلان وقد تجهزا تماما لأي طارئ ، فتشا البيت غرفة غرفة وركنا ركنا وخرجا وهما يقولان لي : لاشيء من ذاك القبيل أستاذ ، يمكنك الدخول باطمئنان إلى منزلك .


Copyright ©2010 - 2011 zankalooni.hooxs.com
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات زنكلوني®



الأنف ...

الساعة السابعة والنصف من صبيحة يوم السبت كان جابر خلف الموظف لدى مديرية الأوقات الضائعة يهم بالخروج مع دراجته الهوائية ماسكا بيد مقودها وبالأخرى مديرا الباب خلفه ,هجم عليه ثلاثة أخوة من البيت المجاور له , فأدرك جابر أنهم كانوا في انتظار خروجه , لم يدعوا له فرصة لقول كلمة , ولا لوضع الدراجة على وقافتها , وفي غمضة عين وأخرى انهالت عليه لكمات كرصاص مجهول فارتمى مستسلما للأقدام التي تدوس عليه وتركله بعدوانية 0 مع مواصلة اللكمات التي تسدد على انحاء جسده دون تمييز , أبرز أحدهم / مشرطا / كذاك الذي لدى الحلاقين وصوبه نحو أنف جابر , لكن جابر ومع الرعب الذي اعتراه من تصويب المشرط نحو أنفه انفجر بصراخ غريب يشبه عواء ذئب , كان الصراخ غريبا على الأسماع فشعر الأخوة بفزع وتراجعوا عن جابر المرمي على الأرض والذي يصدر منه صوت خافت غريب حتى اعتقد الأخوة بأنه تحول من إنسان إلى مخلوق آخر , أو أن مخلوقا آخر كان يسكنه فمات جابر من إثر اللكمات وظهر فيه ذاك المخلوق الذي يصدر صوتا لايشبه صوت إنسان , عندها لاحظ الأخوة أن الجيران خرجو على صراخه الأول الذي أفزعهم فلم يتردد أحد الأخوة من إظهار سكين وتهديد الذي يقترب من الجيران لانقاذ جابر منهم , وقالوا بصوت جماعي بأن لهم ثأرا عند هذا المارد ولن يتركوه قبل أن يثأروا منه 0 بعد نحو نصف ساعة انطفأ أنين جابر الخافت الغريب فاقتربوا منه مرة أخرى وهم يحذرون الجوار من الاقتراب , دنا حامل المشرط وقبض على أنف جابر باصبعيه في غفلة وقد تمكن من الأنف , وبذات السرعة ضرب المشرط نحو الأنف لكن جابرا استطاع أن يبدي حركة غاية في السرعة برأسه في آخر هنيهة مما أدى إلى بتر إبهام حامل المشرط ,وصار الإبهام يتقافز على الأرض والدم ينز منه بغزارة كأنه لن ينقطع , قذف شتيمة في وجه جابر , ثم بصق عليه وراح يهرول نحو البيت , لكنه قبل أن يدخل الباب عاد إلى إصبعه المبتور فحمله في جيبه واتجه جاريا نحو البيت 0

تناول أحد الأخوين المشرط من الأرض ودنا من أنف جابر قائلا بحشرجة : تفعلها بنا إن تركناك بأنف هذا اليوم يا رزيل , مثلك يجب أن يمشي بدون أنف في الشوارع 0 ووقع عليه الأخ الثاني بالضرب وقد امتلأ غضبا بعد بتر إصبع أخيه وراح يمسك بشعره قائلا : سوف تحلم ياجابر أنك كنت ذات يوم بأنف 0 وقبض على أنفه بشراسة وجابر مستسلم من أثر اللكمات التي انهالت عليه , لكنه يحرك رأسه في كل الاتجاهات ويبصق ويشتم ويستغيث , بينما الجوار تجمعوا على شكل تظاهرة يتفرجون عن بعد دون أن يجسر أحد منهم الاقتراب لانقاذ الرجل 0 دس الأخ إصبعيه في خياشيم جابر وكأنه يريد أن يخلع الأنف بيده وأشار لأخيه أن يسدد الضربة بشكل جيد إلى الأنف 0 طمأنه حامل المشرط بثقة وعلامات فوران الدم تتصاعد إلى وجهه المحتقن , وبسرعة خاطفة أوقع الضربة إلى الهدف , ومرة أخرى بدا جابر أكثر حذرا فانتفض هذه المرة بكامل جسده وكأنه بركان صغير انفجر وأبعد القابع عليه جانبا ,فأصاب المشرط جانبا من أنفه وترك فيه خدشا 0 عادا إليه بهزيمة وإصرار أشد وعلى الفور قبض ذات الشخص على الأنف وقد برك على بطن جابر الممدد , دس إصبعيه في ثقبَي الأنف , قبض الثاني بشعره مثبتا الرأس وسدد الضربة ليقع الأنف هذه المرة في يد أخيه 0 أحسا بأنهما نفذا المهمة بصعوبة , تنفسا الصعداء وهما يصوبان نظرات النشوة إلى وجه جابر الذي خلا من الأنف 0 أخذا الأنف معهما وتواريا عن الأنظار 0 في اليوم التالي أبلغت الشرطة مديرية المشفى بأن الموقوفين رموا الأنف المبتور في إحدى المجاري ويتعذر البحث عنه , فاضطر الطبيب الجراح الذي تولى إجراء العملية أن يبتر قطعة لحم من مؤخرة جابر ويلحمها موضع أنفه , بينما جابر تنازل عن ادعائه الشخصي عليهم قائلا : لاشيء في العالم بمقدوره أن يعيد إلي أنفي 0 أمضى شهرا في البيت يتردد من الخروج بلا أنف , وبين يوم وآخر يجري اتصالات بالعمل يقول بأن وضعه النفسي لايسمح له بالخروج من البيت 0 يمضي جابر معظم وقته أمام المرآة يمعن التحديق في القطعة الملحومة فترتسم مؤخرته في وجهه , يزداد استفزازا وغليانا , تتدخل أمه وتبعده عن المرآة قائلة : هذا نصيبك ياجابر , احمد الله أنهم لم يبتروا عضوا أكثر خطورة , كان مستقبلك كله سيضيع في أوقات أخرى يفكر بخطيبته التي خطبها قبل الحادث بشهر على أن يتزوج في ظرف شهرين قادمين عندما يحصل على قرض ولكن المفاجأة وقعت عليه بعد مرور شهر ونصف على الحادث عندما أرسلت خطيبته الخاتم والهدايا إليه مع أخيها ليبلغه كلام أخته: لقد انخدعنا بك ياجابر , لكن حقيقتك بانت في وجهك 00 لاأريد أن أرى وجهك الأسود بعد الآن , العودة من منتصف طريق الهلاك أفضل من الاستمرار 0أراد جابر في تلك اللحظة الفورانية أن ينقض عليه ويقرض أنفه بأسنانه ليصبح زميلا له , بيد أن الكلمات هي التي كانت سباقة : لايشرفني الاقتران بهكذا امرأة تقرر قرارا مصيريا كهذا مستندة على كلمات سمعتها من الناس 0 خرج الأخ وعاد جابر إلى المرآة يحدث نفسه بخفوت : يبدو أن الخسارة لم تكن في الأنف فقط ياصاحبي , هاهو الأنف جر معه الخطيبة التي كنت تمضي معها أجمل الأوقات بعد منتصف الليل على الهاتف , وهل ستنتظر من تفكر بالزواج من رجل بلا أنف , وهل ثمة امرأة بلاأنف في هذا العالم كله لتقبل الاقتران بك 0 لوكان البتر في أي عضو آخر 00 أذنك مثلا , يدك , قدمك , حتى لوفُقأت عين 0 ثم أخذ صوته الغريب يعلو قليلا , هذا الصوت الذي يخيف السامع , حتى أن أمه عندما تسمعه فإنها تخرج من البيت وتقول للجوار بأن كائنا آخر يسكن غبنها ولا يظهر إلا في أوقات الشدة : عندما تخرج ياجابر فان الناس سوف يحدقون بك ويتهامسون , يتغامزون على سبب قطع أنفك , إنه سبب وحيد لاغير يميز كل الذين بُترت آنافهم 0 كيف ستجلس في مجتمع ياجابر وتحكي عن العفة كما كنت تتحدث طوال عمرك 0 بعد مرور شهرين أحس بأن البقاء في البيت يكتم نفسه , وأنه لولم يخرج سيجن , فقرر الخروج على استحياء , ارتدى بدلته الوحيدة ذات السنوات السبع من العمر التي اشتراها عندما قبض أول راتب من مديرية الأوقات الضائعة , عقد ربطة العنق الحمراء الرفيعة وأمسك بمقود دراجته الهوائية , فتح الباب لأول مرة منذ شهرين فجفل وهو يتذكر آخر خروج بذات الطريقة عندما هجم عليه جواره الثلاثة , مد رأسه قبل أن يدفع الدراجة , تأمل الشارع والرعب يسري في عروقه , هل ينتظرون ليقوموا باعتداء آخر عليك ياجابر ؟ إنهم مجانين , كل شيء وارد في هذا العالم ياجابر 0 لم يثن هذا الرعب عزيمة الإصرار على الخروج , فدفع مقود الدراجة إلى الشارع بينما أمه توصيه أن يكون حذرا 0 قاد الدراجة بيديه عدة خطوات دون أن يركبها فنادته أمه أن الإطار الخلفي مفروغ من الهواء 0 عاد بها إلى الباب , أوقفها على الوقافة ومد يده إلى المنفاخ المعلق في موضعه على الدراجة الزرقاء اللون , وضع رأس المنفاخ في موضع الهواء في الإطار وغدا جابر يعلو ويهبط ويلهث وبين لحظة وأخرى يمد يده إلى الإطار ليتفحص حجم الهواء الداخل , وبذات اللحظة تتسرب منه نظرة سفلية خاطفة إلى حيث بيت هؤلاء الثلاثة المقابل , بينما أمه واقفه جواره 0 توقف جابر عن دفع الهواء وقد أدرك كفاية الإطار عن حاجته , ولمح إذذاك خروج الجوار وهم ينظرون إليه يضع لاصقا طبيا على أنفه ويركب الدراجة بدل أن يقودها بيديه , فلم يسبق لأحد أن رأى جابرا يركب الدراجة , إنه دوما يقودها بيديه , يمشي معها كما يمشي مع صديق طريق وهو يدرك بأنه اعتاد هذا الصديق ولايستطيع المشي بدونه حتى لو ذهب لمشوار قصير في زيارة خاصة0 لقد أصبحت جزءا منه وهو لايخرجها ليركبها , بل لتمشي معه , فعندما يقول أي شخص من الجوار : رأيت جابر , سيضيف : يمشي مع دراجته الزرقاء 0 وحتى في حالات السرعة فهو يدفعها بعجالة ويهرول معها 0 عندما مضى جابر راكبا الدراجة وهي ظاهرة غريبة استوقفت الجيران إضافة لمظهر الشاش الطبي على أنفه , تناهى صوت مسموع من أحد أطفال الحي : جابر 00 جابر يسـوق البسكليت بابا 0 فأصبح كل مَنْ في الطريق يصوب إليه نظرات مطولة وهو يمر غير مسلم لأول مرة منذ ثلاثين سنة عندما سكن هذا الحي 0 قال البعض : لاتؤاخذوه ياجماعة , عذره في وجهه 0 وعلّق البعض : قليل الحياء والاحترام , لقد وصل لحقه 0 وقال رجل : أقبّل اليد التي قطعت أنفه 0 واصل جابر طريقه ولم يقف إلا أمام رصيف الدائرة . نزل من دراجته وقادها نحو باب الدائرة لكن الحارس منعه من إدخالها , فقال : أنا جابر خلف 00 موظف هنا 0 فقال الحارس : كنت جابر خلف الموظف هنا 0

أوقف جابر الدراجة على الرصيف , وهم بالخروج , رأى شخصا يجلس على مكتبه , وفي دقائق قليلة اكتظ المكتب بالموظفين والموظفات يتفرجون على جابر مقطوع الأنف 0 فاتجه إلى مكتب المدير مغتاظا يقول بأن الموظفين يسخرون منه , لكن المدير قال بأنه فصل من عمله نتيجة غيابه لمدة شهرين دون عذر , وكذلك لأسباب تمس الأخلاق , لأن الموظف عليه أن يتمتع بأخلاق حميدة 0

خُرج جابر من دائرته مطرودا لايعرف أين يتجه , وقد بدا أمامه الرجوع إلى البيت كالرجوع إلى هاوية 0 عندئذ وقف على الرصيف جوار دراجته وقد مد يده إلى مقودها يسترد وقائع يوم العطلة المشؤوم عندما تفاجأ بجارته خولة تقع عليه في غرفة نومه صباحا 0 انتفض من الفراش قائلا : ما أتى بك هنا ياخولة ؟! 0 قالت وهي تقف في المدخل : لماذا تهرب مني ياجابر , ألستُ جميلة 0

قال : اخرجي , هذا لايجوز , أنا رجل خاطب 0 تأتين لزيارة أمي أهلا وسهلا , أما أن تلعبي بذيلك معي فلا أسمح لك دخول هذا البيت بعد اليوم 0

قالت : بل أدخل هذا البيت من أجل أن أراك وأسمع صوتك ياجابر , أمك هي حجة لأدخل 0

قال : اخرجـي يابنة الحلال , لاأريد أن تدخلي بيتي بعد اليوم 0

قالت مستاءة : لن أخرج وافعل ماشئت 0

وكضربة السوط وقعت كفه على خدها 0 قالت : ستدفع ثمن صفعتك غاليا ياجابر , ستندم طوال عمرك على هذا الصفعة التي صفعتها لخولة , أنا خولة ياجابر, أخت ثلاثة شباب 0 انتفض من خياله وهو يرى خولة أمامه على الرصيف المقابل للدائرة ,قال في نفسه : هل راقبتني عندما خرجت من البيت , وما الذي تريده مني 0 فاشارت خولة إليه ليلحقها , قاد جابر دراجته ومضى وهي تسير بخطوات متسارعة , سار جابر خلفها نحو ساعة إلى أن دخلت حيا شعبيا ووقفت أمام أحد البيوت , تقدم جابر إليها , ولكنه عندذاك اكتشف بأنها ليست خولة 0


Copyright ©2010 - 2011 zankalooni.hooxs.com
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات زنكلوني®





نحل و ذباب



في الصباح الباكر جفل السيد/ حرارة / من نومه على أصوات غريبة داهمته في فراشه، وعندما نط إلى الباب رأى فوجاً هائلاً من الذباب يملأ الحوش وفي أثناء فتحه الباب امتلأت الغرفة بهذه الكائنات التي أخذت تطير في أجواء الغرفة وتحط على الجدران وما تحويه من الغرفة. وقبل أن يصيح جاء صوت زوجته المذعور: حرارة.. قم يا حرارة الدبان أكلنا كأنه نزل من السما على بيتنا.

كان الصوت قادماً من غرفة نوم الأولاد، فاتجه يطرق الباب ليرى الأولاد وأمهم في حالة ذعر من هذا الغزو الغريب وعلى الفور أمر زوجته بالخروج والذهاب إلى بيوت الجيران لترى إن كانت هذه الظاهرة عامة أم اقتصرت على بيتهم.

في هذا الوقت الباكر تقلب السيد/زهر الحياة/ في فراشه واستيقظ هو الآخر على أصوات غريبة في بيته المجاور لبيت السيد/حرارة/، فتح الباب ورأى فوجاً هائلاً من النحل يملأ الحوش عندها قالت زوجته: النحل هجم على بيتنا دفعة واحدة.. يا رب سترك.. اجعله نحل خير.. كأنه نزل من السما على بيتنا.

اندهش/زهر الحياة/ لهذه الظاهرة الغريبة التي يراها لأول مرة في حياته، فطنين النحل يصم الأسماع، ووجوده بهذا الشكل يشل الحركة في البيت، لكنه قال مطمئناً أولاده وزوجته: يكون نحل ضايع حط في بيتنا ليرتاح ويرجع يطير.

وبعث زوجته لترى إن كان النحل قد حط في بيوت الجيران أيضاً. التقت الزوجتان في الشارع فقالت زوجة/حرارة/ لجارتها: الدبان أكلنا.. من شوي هجم على بيتنا والعجيب ما في دبانة واحدة عند الجيران.. سألت كل البيوت، وأنا بطريقي حتى أدق بابكم لأسأل إن كان هجم عليكم دبان مثلنا. عضت زوجة/زهر الحياة/ شفتها قائلة : يعني دبان.. دبان..؟!0 أجابت زوجة/حرارة/ وهي تبحلق في عضتها لشفتها: إي والله.. دبان..دبان!

قالت: تعالي شوفي اللي حط في بيتنا.

فرأت زوجة/حرارة/ فوج النحل الهائل في بيت جارتها، وهرولت مسرعة قائلة لزوجها: عند الجيران ما في ولا دبانة واحدة.. بس العجيب بيت جارنا/زهر الحياة/ مليان نحل.. حط من شوي.. وقت ما حط عندنا الدبان.

لدى سماع هذا الكلام نفر/حرارة/ وقال بغيظ: يعني هو أحسن مني حتى يجيه نحل وأنا يجيني دبان.

بعد قليل خرج الجاران إلى أعمالهما وكالعادة التقيا في الشارع، تقدم/زهر الحياة/ يسلم على جاره ويتحدث معه عن هذا الذي حل عليهما، لكن/حرارة/ ولأول مرة أدار ظهره ولم يجب على سلام جاره فاحمرت وجنتا/زهر الحياة/ واعتراه خجل كبير مما بدر من جاره وهو يمضى إلى عمله محاولاً تناسي ذلك.

مضت أيام ولم يهجر النحل بيت/زهر الحياة/ فاستعان بأحد المربين من ذوي الخبرة وخصص ركناً من بيته للنحل، وأخبره المربي بأن الخير حل عليه وأن العسل سيحسن من وضعه المالي لأن النحل يدر على صاحبه ذهباً 0

من جانبه استطاع/حرارة/ أن يقابل رئيس البلدية ويقنعه بتشكيل لجنة مهمتها القضاء على الذباب في بيته بعد أن حمل مسؤولية انتشار الذباب للبلدية وقال بأنها لم تقم بواجبها في بخ المبيدات مما جعل الذباب يغزو بيته.

حضر رئيس البلدية بنفسه مع لجنة كشف خاصة على البيت، رأى بعينه فوج الذباب الهائل الذي يحط في البيت دون غيره من البيوت، فأمر بإحضار صهريج على الفور لرش البيت بالمبيدات والسموم القاتلة للحشرات. ولكن هذه الظاهرة ازدادت غرابة عندما بدأ الذباب وكأنه يسبح وينتعش بين الدخان الكثيف الذي يشبه الغيوم، وبعد انتهاء هذا الدخان دب نشاط عجيب في الذباب وبدأ يطن بصوت أعلى. أمام هذا الواقع اقترح رئيس البلدية على مداومة البخ لمدة ثلاثة أيام متلاحقة، وعندها لن يصمد الذباب أمام هذه السموم المتواصلة. وأمر اللجنة أن تواظب على هذه المهمة بشكل يومي، في اليوم ثلاث مرات: صباحاً.. ظهراً.. مساءً.

بدأت هذه اللجنة في تنفيذ أمر رئيس البلدية فتملأ بيت السيد/حرارة/ بالدخان القاتل للذباب لمدة ساعتين كل مرة. تحول الحي كله إلى روائح غازات كريهة حتى تشربت الجدران والآثاث والأبواب والنوافذ، وفي صبيحة اليوم الثالث اضطرت اللجنة إلى التوقف عن مهمتها عندما تعالت أصوات سيارات الإسعاف في الحي وعرفت هذه اللجنة أن الدخان المتواصل تسبب في حالات تسمم لبعض السكان، فقد أُجهضت امرأة حامل كانت في شهرها الرابع، وتسمم طفلان صغيران بسبب عدم احتمال الروائح المتواصلة، وتوفي عجوز كان في الثمانين من عمره، بالإضافة إلى حالات إغماء لآخرين. وما أذهل الجميع أن ذبابة واحدة لم تصب بأذى. لم يسكت الأهالي عن تصرف رئيس البلدية الذي ألحق بهم كل هذا الضرر فتقدموا بشكواهم إلى وزير الداخلية يحمّلون رئيس بلديتهم مسؤولية موت عجوز وإجهاض امرأة وتسمم طفلين نتيجة قرار طائش لم يفد بشيء. وبالفعل صدر قرار بفصل رئيس البلدية من منصبه وذلك لتهدئة السكان، وتم تعويض المتضررين بمبالغ مالية أتت إليهم من وزارة الداخلية. أمام هذه الأحداث لزم/حرارة/ الصمت ورضي بالأمر الواقع بالعيش مع الذباب، وبين يوم وآخر يتواجد في مكاتب بيع وتأجير البيوت عارضاً بيته للبيع أو الإيجار، لكن كل هذه المحاولات تبوء بالفشل عند مشاهدة الشاري أو المستأجر لهذا الفوج الهائل من الذباب الذي يصم الأسماع بطنينه حتى ذاع صيت هذا البيت في المدينة كلها وتسرب الخبر إلى بقية المحافظات عندما نشرت صحيفة محلية تحقيقاً موسعاً على حلقتين كتبه مراسلها في هذه المدينة تحت عنوان رئيسي مثير:

"قصة الذباب الذي تسبب في فصل رئيس البلدية"

وعنوان فرعي:"هذا كل شيء عن الذباب الذي يغزو بيوت أحد المواطنين ويقاوم كل أنواع المبيدات".

أمام هذا بدا النعيم يحل على جاره المجاور/زهر الحياة/ الذي بدأ في بيع العسل، وذاع صيته بشكل عجيب في المدينة خاصة عندما زاره أحد الفقهاء وأهداه/زهر الحياة/ علبة من العسل، فقال هذا الفقيه في إحدى المجالس الكبرى بأن الله أرسل نحلاً من الجنة إلى/زهر الحياة/ وتفوح رائحة عسل الجنة من عسله.

هذا الإعلان الذي صدر ربما بشكل عفوي من الفقيه أقام المدينة ولم يقعدها على بيت زهر الحياة، وبدأت أفواج هائلة من الناس تدخل الحي وتقدم القرابين والهدايا حتى للجوار. فمنهم من يذبح هذه القرابين أمام باب/زهر الحياة/ المغلق ويوزع لحمها على الجوار و/زهر الحياة/ لم يعد قادراً عل استقبال كل هؤلاء فيكتفي بإغلاق بابه وقد وضع لافتة صغيرة على الباب كتب عليها:"اعذروني أنا غير قادر على استقبالكم..رجاء عدم المؤاخذة".

هذا الإعلان لم يخفف من الازدحام في الحي فالناس يأتون ويقولون بأنهم يشتمون رائحة الجنة الطيبة من هذا البيت المبارك، ويأتون بالمرضى والمعتوهين والمشلولين والرجال والنساء العواقر ليشتمّوا طيب ريح الجنة ويتبركوا بلمس جدار بيت نحل الجنة، وهذا أدى إلى انتعاش اقتصادي لسكان الحي الذين بدأوا في بيع المسابيح، وصور البيت، والعطور، والكاسات، والصحون، والقبعات البيضاء، ومناظر تحتوي على صور لـ/زهر الحياة/ وأولاده، وأركان بيته، وخلية النحل، ونحل يطير، ونحل يتشمس، وعسل، وأبواب البيت، ونوافذه، وآثاثه.

وهذه المناظر على شكل كاميرات صغيرة تتقلب الصور منها أمام عيني الناظر بالضغط على زر صغير. أمّا من لا يملك قيمة شراء منظار فيمكنه النظر بقليل من المال. وبدأ وجهاء المدينة وكبار الأثرياء فيها يتوددون ويترددون على/زهر الحياة/ للحصول على العسل الطازج الذي أصبح الوجهاء الأثرياء يتبارون للحصول عليه.. إلى جانب ذلك تبرع أحد الأطباء بقول أن هذا العسل يحتوي على موادغذائية غير متوفرة في العسل الشائع وأيد هذا الكلام بعض أصحاب الخبرة والاختصاص في شؤون النحل والعسل، حتى أن أحد الأثرياء الكبار عرض مبلغاً خيالياً لشراء البيت و إيجاره، لكن/زهر الحياة/ رفض عرضه وشكر بادرته وكرد على ذلك وعده بالعسل وقتما يشاء.

في ليلة ممطرة من ليالي الشتاء قفز/حرارة/ على حائط جاره/زهر الحياة/ ومعه علبة من المبيدات.. تقدم من خلية النحل وبخ ما في العلبة من سموم على النحل، عند ذاك تسربت رائحة السموم إلى/زهر الحياة/ وأيقظته من نومه، فهرع ينظر في الحوش بعد أن أشعل الأضواء واستطاع أن يرى قامة جاره/حرارة/ تنقلب إلى الجهة الأخرى. هرع إلى خلية النحل، داهمته رائحة السموم.. عاد إلى الداخل والقلق يسيطر عليه خوفاً من موت النحل بعد تأكده بأن/حرارة/ قد أفرغ السموم في الخلية. هذا القلق لازمه أسبوعاً كاملاً حتى اطمئن بأن النحل لم يصب بأذى. عندها أعلم زوجته وأولاده بالحادث وطلب إليهم أن يأخذوا الحيطة والحذر من جارهم الذي يريد القضاء على هذا النحل الذي نجا من السم بأعجوبة. وهذا أدى إلى أن يتناوب الأولاد في حراسة البيت ليلاً ففي كل ليلة يتولى أحدهم هذه المهمة. لدى معرفة/حرارة/ بأمر الحراسة أرسل تهديداً إلى جاره/زهر الحياة/ عن طريق أحد الجوار يتهمه فيه بالتسبب في حل كارثة الذباب عليه، لأن وجود الذباب يقترن بوجود النحل.. والذباب يحل حيثما حل النحل، والدليل أنهما حضرا وقت واحد وساعة واحدة: حط النحل في بيت زهر من هون، وحط الدبان في بيتي من هون.. الدبان كان يلاحق النحل..يعني هو دبان نحل.. مدمن على ريحة النحل.. يكون مكان ما يكون النحل ومن ريحة عسل النحل يعيش، أنا خرب بيتي وهو عمر بيته.. وفوق هذا , الفقيه يقول بأنه نحل الجنة ودباني دبان النار، ويقول للناس: النحل يحط على الورد والدبان يحط عالـ… يعني فوق ما أنا ساكت على مصيبتي يشهرون فيني، الدبان أكلني وأكل أولادي.. حرمنا من النوم، هذا بيتنا الوحيد وين بدنا نتشرد..سنة ونحنا نتحمل.. بس ما عاد فينا نتحمل بدنا ننفجر، وزهر أفندي اللي هو سبب مصيبتنا مبسوط على هالحال.

وقال/زهر الحياة/ لهذا الجار الوسيط طالباً منه أن ينقل هذا الكلام لجاره/حرارة/: يا أخي مثلما الدبان عصى في بيته، عصى النحل في بيتي.. أنا ما كان عندي علم لا بالدبان ولا بالنحل، يعني أنا لو بعت البيت يبقى النحل فيه حتى لو سكنه غيري، الحل مو عندي أبداً.. القصة أكبر من قدرتي، أنا ماني عدوه مثلما يتوهم.. أنا جاره وأنا ساكت على طنين دبانه لأني أقرب بيت له.. هذا عدا إنه يسبني ويسمعني صوته. من كم يوم هجم على بيتي بالليل ورش السموم على النحل وما اشتكيت عليه قدّرت ظروفه.. نحن نتقي شره وأولادي يسهرون الليل يحرسون النحل من شره، يريد أن أحرق بيتي حتى يطفش النحل ويلحق الدبان.. يعني هذا كلام واحد يريد الخير وهو يريدني أنام مع أولادي في الشارع ويقطع رزقي من بيع العسل حتى يرتاح، طيب يوجه هذا الكلام لنفسه ويحرق بيته حتى يطفش الدبان وأنا موافق يطفش النحل, أنا ما أمنعه يتصرف في بيته.

عندما نقل هذا الجار الوسيط الكلام على لسان/زهر الحياة/ للسيد/حرارة/ قال: الدبان هو اللي يلحق النحل، وين ما يحط النحل يبقى الدبان يحوم حواليه، هدم بيتي ما يفيد بشي.. الحل أن يهدم زهر بيته، أو يشعل فيه النار حتى يهرب النحل ويلحقه الدبان.

وقال بأنه إن لم يحرق بيته فسيكون عدواً له وعندها لن يدع أي فرصة لقتله وهو خيار وحيد بين طرد النحل أو الموت.

وأمام هذا الواقع اضطر السيد/زهر الحياة/ إلى تقديم ادعاء شخصي على جاره يتهمه فيه التهديد بالقتل، فزاد هذا الادعاء من حدة/حرارة/ واعتبره عدواناً جديداً عليه من قبل جاره/زهر الحياة/.

وأمام إصراره على التهديد تم توقيفه من قبل النيابة لمدة ثلاثة شهور. بعدها سحب تهديده وقال بأنه كان في حالة غضب وقد عاد إلى رشده الآن. بالمقابل حضر السيد/زهر الحياة/ ولدى سماع هذا الاعتذار تنازل هو الآخر عن ادعائه الشخصي وتصالحا أمام النيابة وخرجا معاً. عرض عليه / زهر الحياة / عزيمة على الغداء بمناسبة الصلح،وقال بأنه سيعطيه علبة عسل بشكل شهري مجاناً , لكن/ حرارة / ضحك وقال بأنه تحايل على القضاء بهذا الصلح ليتم إخلاء سبيله ويتمكن من تنفيذ تهديده، ومن ثم يعود إلى السجن منتصراً، لأن السجن بالنسبة له أفضل من بيت الذباب ذاك.

وقال/زهر الحياة/ بأن الموت أفضل له من التخلي عن النحل وانه سيزيد الرعاية والحرص.

قال/ حرارة /: بس بدي أقضي عليك قبل ما يقضي علي القهر ولما أتخلص منك أمضي أحسن سنوات عمري في السجن.

قال/ زهر الحياة / بإصرار: بدي أرعى النحل حتى آخر لحظة من عمري وإذا عملتها بي.. أولادي يرعون نحلي يعني يبقى النحل يتنفس في بيتي.


Copyright ©2010 - 2011 zankalooni.hooxs.com
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات زنكلوني®


المدير العام والعولمــــــة



صبيحة يوم غد عليه أن يقوم بافتتاح أعمال مؤتمر الشركة السابع عشر بصفته مدير عام هذه الشركة التي تدعم شريان الاقتصاد الوطني بالدماء، سيستهل الافتتاح بكلمة تمهيدية كمقدمة لإلقاء كلمات مدراء الفروع الذين حضروا من كل المدن. هذه الكلمة ستمثل موقف الشركة الكبرى من المجريات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي تجري في العالم، وسوف تُنقل حية مباشرة عبر قناتي التلفزيون الأرضية والفضائية، وليس من المستبعد أنها ستعرض على كبار مدراء الشركات الاستثمارية في العالم لأخذ لمحة عن منابع الاقتصاد الوطني والإفادة من خطة العمل، ومنهجية الإنتاج.

يقبع رمزي العالِم خلف طاولته ككاهن وقد تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً، يسرح في فضاء مخيلته بحثاً عن موضوع ساخن يمكن أن يكون عنوان الكلمة الافتتاحية التي تعد-بالنسبة لموقعه الإداري- مصيرية، فهي ستقدم إلى كبار المسؤولين وتعطي صورة جلية عن توجهه في إدارة هذا المَعلَم الاقتصادي الهام.: هذه الكلمة من شأنها أن ترفع مرتبتك يا رمزي فتجعلك أكثر قرباً من موقع القرارات الكبرى، أو تهبط بك فتحيلك إلى موظف صغير كآلاف الموظفين الذين ينتشرون/أكثر من الهم على القلب/ في كل فروع شركتك المنتشرة. كن على حذر يا رمزي إنك ترسم مستقبلاً لك في هذه البلاد، لا تتعجل في قول كلمتك، ستكون كلمتك هي/أنت/ في إسماع أصحاب القرار.

مد يده إلى ماعون الورق، جر نصوع ورقة وتخيلها ممتلئة بما يجلب عليه الرضى العام، ثم امتدت يده إلى المقلمة، سحبت قلماً لا على التعيين، وأخذت كل هذه العوامل تتضافر لإيجاد فكرة مثيرة يفرغ من خلالها ما في مكنونات نفسه: الخيال-القلم-الورقة-اليد: هيا يا رمزي أفندي، إنها فرصتك السنوية الثمينة، لا تتردد، تذكر لحظات العز والاحتفاء وأنت تمثل موقعاً بالغ الأهمية. تكتب أنامله عبارات، ثم ما تلبث أن تشطبها، وبغتة تومض كلمة كالبرق في ذهنه: /عولمة/ إي يا رمزي /عولمة/ شدت انتباهه. كتبها على الورقة، شاغلة الناس أجمعين، وكبرى المنشآت الاقتصادية هذه الأيام، إنها حديث الساعة. زحفت أنامله إلى علبة دخان أمريكية الصنع مرتمية أمامه، ضغط على زر القداحة النرويجية وعب نفساً عميقاً لذيذاً من عمق النيكوتين الذي بدا مدمناً عليه، وغدا في تهيئة جيدة لإفراغ ما لديه تحت هذا العنوان الشديد السخونة.

رفع رأسه إلى أعلى الصفحة البيضاء وخط بحروف متأنية كلمة /عولمة/ وشرع يدون تحتها وقد هيمنت عليه حالة من الإبداع وسحرية البيان: سيداتي، سادتي، إنه لمن دواعي الغبطة والشرف أن أمثل هذا الصرح الاقتصادي الهام وأفتتح أعمال مؤتمركم السابع عشر هذا، ويطيب لي بهذه المناسبة أن ألقي كلمة موجزة حتى أفسح المجال واسعاً أمام كلماتكم ومداخلاتكم ومقترحاتكم التي سيقر مؤتمركم هذا أكثرها نفعاً وأعمها فائدة للجميع وللمصلحة العامة. تعلمون أن صيحات العولمة تكاد تملأ كل مجالات العمل والصناعة، وشركتنا معنية بهذه التحولات التي تجري في العالم من حولنا.

أيها السادة أنتم تعلمون أن فقاعات هذه العولمة غزتنا حتى في عقور دورنا، وهي لا تكتفي بسلبنا أموالنا فحسب، بل ترمي إلى سحقنا من جذورنا ومن هويتنا الوطنية بدعوى أن العالم كله سيكون وطناً واحداً لبني الإنسان، وإذا بنا نذوب نحن الشعوب الصغيرة في عالم العولمة الكبير، واعلموا أيها الأخوة أن الضعيف في نهاية الأمر سوف تبلغ به الحال إلى أنه لن يجيد لنفسه ولا لأهليه موطئ قدم في هذه الغابة البشرية الهائلة والتي يتم تضييق وتسوير الكرة الأرضية بها ببادرة من القوة العاتية التي تظن بأنها تحكم العالم بجبروتها ونفوذها وهيمنتها الاقتصادية.

إننا ومن موقعنا هذا أيها الأخوة نرى أن شريعة هذه البدعة لا تقل سطوة عن شريعة الغاب، ولا نظنها إلا أخذت هذه الشريعة من الغاب، فالقوي أيها السادة يلتهم الضعيف الواهن، والجبار يدوس على المعوق و يمضي. بهذه المقدمة التي نؤمن بها، أحب أن أبين لكم بعض النقاط الرئيسية التي ارتأينا رسمها كمنهاج لخطة عملنا القادمة، فنشجع على كل إمكانات الاستثمار والإنتاج المحلي بدل أن نعتمد في مستلزمات حياتنا على الاستيراد. امتدت يده الأخرى إلى السيجارة فوجدها رماداً، عندئذ تناهى طرق خفيف ولجت على إثره زوجته الحامل في شهرها السابع، ولما رأته منهمكاً في الكتابة، وضعت القصاصة التي كتبت عليها مستلزمات البيت بجانبه ليرسلها غداً مع السائق. مع استدارة الزوجة للخروج طلب إليها أن تحضر فنجان قهوة تعينه على التركيز، وأجّل تدخين سيجارة جديدة حتى يأخذها مع القهوة فتكون أكثر فاعلية. بخروج زوجته امتدت يده إلى قصاصة المستلزمات وبدأ يتأملها منتظراً إحضار فنجان القهوة:

علبة بن برازيلي-كيس ملح فرنسي-كيس رز أمريكي- كرتونة دخان كينت.

أعاد القصاصة إلى موقعها، وبعد لحظات خشي أن ينساهافوضعها في جهاز الفاكس لتكون جاهزة بانتظاره في مكتبه صباح الغد قبل أن يفتح المؤتمر، ثم ما لبث أن عاد إلى استئناف كلمته ريثما تحضر القهوة وقد قمع رغبته الملحة مرة أخرى لتدخين سيجارة: أيها الأخوة والأخوات، لن تنجحوا في التصدي لهذه الهجمة إلا بالا صرار على الاعتماد على الذات وتحسين الإنتاج الوطني وبذل كل الإمكانات والكفاءات في نشر ثقافة الاعتماد على محلية السلع، من الجرابات وحتى مزيل الشعر. وعلينا أن نشجع السياحة الداخلية في مدننا بدل أن نصول ونجول في بلاد العجم وننفق أموالنا هناك، يمكن أن ننفق أموالنا في منتوجاتنا ومدننا وناسنا. وإنه لدور وطني عظيم أدعوكم جميعاً للإسهام فيه، وكل حسب استطاعته، فإن رفضنا نحن إنتاجنا، كيف يتقبله الآخرون، علينا أن نكون قدوة في استهلاك هذا الإنتاج. دخلت زوجته حاملة فنجان القهوة . تذكر السيجارة عند استنشاق رائحة البن المغلي بشكل جيد، فوضع القلم وأشعل سيجارة، وبدأ يستلذ برشف الفنجان، عندئذ لفتت القداحة الجديدة نظر الزوجة فقالت: قداحة جديدة يا رمزي. قال وهو يتأملها: شركة نرويجية جديدة أرسلتها لي هدية مع مندوبها وتقترح اعتمادها في أسواقنا الخارجية.. إنها أجود قداحة استخدمتها في حياتي، فيها ميزات مدهشة لا يصدقها العقل، يا لتلك العبقرية التي صنعتها بكل هذه التقنية العالية، لكنها باهظة الثمن.

قالت :ماذا أحضر لك لترتديه غداً في افتتاح المؤتمر يا رمزي؟

قال: البدلة الكورية الجديدة التي أهداها لي مديرعام شركة الأقمشة الكورية، أتذكرين عندما زارنا مع زوجته؟

قالت: وكيف أنسى لوسي المدهشة التي أهدتني طقم سهرة وأظن أن تلك البدلة تليق على الحذاء الدانماركي الذي جلبته معك من الدانمارك الشهر الفائت.

قال: والحزام السويدي الذي جلبه أخي عند زيارته للسويد عندما أرسلناه على أنه مندوب شركتنا.

قالت: أظن ربطة العنق الألمانية التي ما تزال في علبتها تناسب كل هذا المظهر الخارجي العام لرجل يظهر على شاشات التلفاز.

قال: لا تنسي الجراب المكسيكي إنه يريح القدمين ويمتص الروائح الكريهة ويستبدلها بروائح عطرة.

وقبل أن تهم بالخروج قالت: لا تكتب كثيراً حتى لا ترهق عينيك.

قال قبل أن يعود للكتابة: قرأت منذ يومين في مجلة أميركية عن نظارات جديدة، أخذت عنوان الشركة واتصلت بطبيبي في نيويورك، قال بأنها تناسب عيني أكثر من النظارة الحالية، لكنني بعد انتهاء المؤتمر بأيام سأزور طبيبي في لندن لأنه قال لي عن اكتشاف علاج جديد فعال لضعف النظر، ربما يغنيني عن ارتداء نظارة إلى الأبد.

قالت: أتذكر عندما أمضينا شهر عسلنا في لندن، كان شهراً رائعاً

قال: يومها كنت تقترحين علي أن نمضي أياماً خالدة كهذه في إحدى مدننا!!

قالت ضاحكة: بصراحة يا رمزي كنت خائفة من ركوب طائرة، لكن من يذهب إلى لندن يبقى تواقاً إليها إلى أن يزورها مرة أخرى، هؤلاء كيف يبنون مدنهم بهذه الأناقة، لكنني مطمئنة لأن ابننا داني حصل على الجنسية بعد أن أنجبته في ذاك المشفى الذي كان مثل فندق خمس نجوم.

قال: أما ولي العهد الجديد فسنجعله يحصل على الجنسية الأمريكية، سيفتح عينيه في مشفى برعاية صديقنا /أرنست/، علينا أن نؤمن مستقبل الأولاد. خرجت زوجته وهي تلمس بطنها فعاد يكمل كلمته وقد أشعل سيجارة جديدة: أجل أيها الأخوة والأخوات علينا أن نتحدى كل مغريات وعوامل العولمة ونثبت بأننا نستطيع أن نعيش بالاعتماد على نتاجنا الوطني ونقاطع كل أشكال العولمة من الخارج والداخل، فويل لأمة تأكل مما لا تنتج، وتنتج ما لا تأكل، كما يقول أحد كتابنا الذين أمضوا حياتهم في الغرب. إن ثرواتنا كلها تذهب إلى جيوب أصحاب المعامل والمصانع الكبرى في الغرب.

نستهلك من البيبسي كولا إلى معجون الأسنان. ومنا من لا تعجبه بلاده فيذهب به الأمر إلى إمضاء حتى شهر عسله في بلاد الإفرنج، بل وبعضنا يودع حتى أمواله في بنوكهم فيحرم بلاده استثمارها وشعبه الإفادة منها. إن بعضنا أيها الأخوة والأخوات-وأقولها بكل أسف-: قد اتخذ من بلاده مكاناً للإقامة فقط، فهو يأكل من الغرب، ويتداوى في الغرب، وحتى آثاث بيته يأتيه من نتاج الغرب، فرجل يأكل رزاً أمريكياً، ويشرب قهوة برازيل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص متنوعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
zankalooni :: منتدى القصص القصيرة-
انتقل الى: